روبرت كيوساكي الشهير، مؤلف الكتاب الأشهر أبي الغني أبي الفقير ، كان قد مر عليه في عام 1977 عدة سنوات وهو يعمل كرجل مبيعات لدى شركة زيروكس، وهو كان غير راضيا أو سعيدا بالعمل لدى الغير، في وظيفة بدا عليها أنها ستأسره حتى آخر يوم في عمره. لطالما راودته أحلامه بتأسيس شركته الخاصة، تلك الأحلام شجعته حين رأي لأول مرة الحافظات (المحفظة) العاملة بآلية شريط فلكرو اللاصق (أقرأ قصة اختراع شريط فلكرو هنا) ليبادر – مع استمراره في وظيفته النهارية – بتأسيس شركة صغيرة والتي استوردت هذه المحافظ من الخارج، وبدأ يبيعها في جزيرته هاواي.
حين زادت العوائد استقال من وظيفته لدى زيروكس، وتصادف أن لاقت هذه المحافظ في بدايتها قبولا من محبي ركوب الأمواج وانتشرت معهم حتى حملت اسم محافظ راكبي الأمواج. بعد بداية لا بأس بها، انحسر الإقبال على المحافظ وبدأت الشركة تخسر حتى اضطرت لغلق أبوابها.
في مطلع الثمانينات، وعوضا عن الحزن والانغماس في كآبة الفشل، شرع روبرت يبحث عن مشروعه التالي، وهذه المرة اختار بيع فانلات قطنية تحمل شعارات وأسماء ورسومات لأشهر فرق الهارد روك الغنائية. هذه المرة جاء الفشل سريعا وخسرت الشركة الثانية في وقت أقصر من الأولى.
فشل والده سبب في نجاح روبرت كيوساكي
هذا الفشل الثاني جعل روبرت يفكر في بقية عمره المتبقي وكيف يريد أن يقضيه. بدأ روبرت أيضا يفكر في والده ووظيفته وطريقة معيشته، ومعاناته اليومية، وكان والده ناجحا في وظيفته الحكومية، حتى قرر الترشح لمنصب حكومي أعلى، وكان منافسه على هذا المنصب مديره في وظيفته الحالية، وكان أن خسر والده هذا السباق، وبسبب هذه الخسارة، خسر أيضا وظيفته، وتقرر حرمانه من العمل في أي وظيفة حكومية، الأمر الذي جعله بلا وظيفة تقريبا في كبر سنه، الأمر الذي زاد من معاناة الأسرة كلها.
هذه النهاية الدرامية جعلت روبرت يهتم ويتابع مسيرة الأمريكي مارشال ثربر Marshall Thurber المتحدث المفوه عن الاستثمار المالي الشخصي ومحاضر النجاح، والذي كان يعقد دورات ويلقي محاضرات يحضرها الكثيرون. في عام 1985 قرر مارشال التقاعد والتوقف عن إلقاء المحاضرات، فسارع روبرت للعمل مع شركاء مارشال في تأسيس امبراطورية تعليمية تركز على تعليم طرق جمع المال واستثماره بالشكل الصحيح، وعلى تأسيس وتنمية الأعمال.
في عامها الأول، خسرت هذه الشركة الثالثة ودخلت في مرحلة الحماية من الدائنين وفقا لقانون الإفلاس الأمريكي، إلا أن الشركة تمكنت من الخروج من هذه المرحلة وحققت الأرباح وبدأت تكبر وتتوسع، وعلى مر 9 سنوات تالية، سافر روبرت إلى مختلف دول العالم يلقي المحاضرات ويعلم الناس طرق ووسائل تحقيق الحرية المالية لكل فرد منا. هذه السنوات رأت روبرت وهو يدخل غمار الاستثمار العقاري ويحقق أرباحا كبيرة ساعدته على التقاعد وعمره 47 عاما.
إلا أن روبرت لم يكن من النوع الذي يحب الجلوس بلا تحديات أو مغامرات، ولذا بعد مرور عامين فقط على تقاعده، عاد مرة أخرى ليحقق نجاحا جديدا أكبر من سابق نجاحاته، وهذه المرة أسس شركة جديدة أسماه تقنيات التدفق النقدي أو Cashflow Technologies والتي أسسها لتصميم لعبة ورقية تحاكي حياة التجارة والأعمال، والتي حققت نجاحا لا بأس به في البداية، وبعد فترة هدوء بدأت تحقق شهرة ونجاحا (طبعا بفضل الكتاب الشهير الذي سيأتي ذكره الآن).
لعبة كاش فلو الورقية، نتاج فكر روبرت كيوساكي والتي يشرحها كتابه أبي الغني أبي الفقير
في هذه الأثناء، بدأ روبرت يكتب الكتاب الذي سينجح أيما نجاح فيما بعد، كتاب أبي الغني أبي الفقير (كما أحب أن أترجم الاسم) أو Rich Dad Poor Dad ورغم الانتقادات التي واجهها والمشككين فيما جاء فيه، حقق هذا الكتاب شهرة عالمية كاسحة، وجلب بدوره الشهرة للعبة التدفق النقدي.
بداية روبرت كيوساكي
جاء ميلاد روبرت كيوساكي في 8 أبريل 1947 في هيلو، أكبر مدينة ساحلية في جزيرة هاواي، وهو الجيل الرابع من عائلة مهاجر ياباني، وكان والده معلما مرموقا في هاواي، وعمل كمشرف الولاية على المدارس كما سبق وذكرنا. بعد إتمام روبرت تعليمه العالي، قرر الالتحاق بالبحرية الأمريكية، وهناك حيث خدم وتخرج كضابط بحري، لتشتعل بعدها حرب فيتنام ويتطوع أخوه للمشاركة فيها، ثم بعد فترة تفكير، التحق روبرت بمشاة البحرية الأمريكية، وهناك حيث صقلوا له شخصيته وطريقة تفكيره.
رغم أن العاملين معه شكوا في أن يتمكن روبرت من البقاء حيا خلال مشاركته في المعارك كضابط إطلاق نار من طائرات الهليكوبتر، إلا أن روبرت صمد حتى أنهى خدمته حيا، بل وحصل على ميدالية شرف، وفي عام 1974 قرر روبرت أن حياته العسكرية يجب أن تنتهي ويعود ليكون مدنيا كما كان. الوظيفة المتوفرة أمامه كانت رجل مبيعات في شركة زيروكس، وهناك حيث بدأت الحياة الرتيبة تشعره بالضيق والضجر، بعد حياة عسكرية حافلة.
فائدة الحياة العسكرية
يؤكد روبرت على أنه استفاد كثيرا في الحياة العسكرية، ربما أكثر مما استفاد الجيش منه. ما تعلمه روبرت خلال هذه الفترة هو القيادة وإصدار الأوامر وتحمل مسؤولية أفعاله. تعلم روبرت أن القيادة ليست إصدار الأوامر وحسب، بل القيادة تعني أن تكون لديك رؤية مستقبلية، وحماسة لتنفيذ هذه الرؤية، والقدرة على نقل هذه الرؤية وهذه الحماسة للتابعين، وجعلهم يدركون أن المنفعة مشتركة وأن تنفيذ هذه الرؤية لن يكون سهلا، وأنه ستكون هناك مشاكل على الطريق، وعقبات غير متوقعة، لكن هذا لا يعني الاستسلام أو اليأس، كذلك يجب الحفاظ على سلامة أعضاء الفريق خلال المهمة، والتعاون معا لتحقيق الهدف المشترك. قد تبدو لك هذه الفقرة السابقة حماسية، بل لعله سبق لك وقرأت أفضل منها، لكن عدم تنفيذها هو السبب وراء فشل الكثير من العصاميين، ومن الذين شرعوا في تنفيذ مشاريعهم التجارية.
لا مكان لفرصة ثانية
خلال إحدى الطلعات التدريبية له كطيار هليكوبتر، حدث أن خرج روبرت كيوساكي في طلعة تدريبية مع طيار معلم، ولأن الطبيعة كانت ساحرة، انشغل روبرت بالمناظر الطبيعية وجمالها، ما جعله يطير بعيدا عن المعلم، وفجأة سمع روبرت طلقات نارية وصرخات على اللاسلكي من المعلم الذي كان يطلق عليه النار وهو غير منتبه وكانت أصعب 5 دقائق قضاها في التدريب حتى خرج من دائرة الخطر. حين هبط على الأرض، ألقى عليه المعلم خطبة قصيرة، قال له فيها يا روبرت، في هذه الوظيفة لا توجد فرصة ثانية، إما أن تركز بكل عقلك على المهمة المطلوبة، وإما وداعا. من بعدها، في كل مرة خرج فيها روبرت في طلعة جوية، كان يعرف أن عليه ضمان عودته سالما، وأن عليه أن يكون الأفضل والأحسن والأكثر استعدادا وجهوزية.
نصيحة روبرت كيوساكي : اعمل لتتعلم لا لتقبض الراتب – اضغط لتحصل على صورة أكبر
لروبرت كيوساكي مقولة حكيمة تلخص فلسفته وهدفه في الحياة تقول: يذهب الناس للمدارس ليتعلموا كيف يعملوا من أجل الحصول على المال. أنا أؤلف كتب لأعلم الناس كيف يجعلوا المال يعمل لديهم. هذه الحكمة توصل لها روبرت حين طلب من والد صديقه المقرب مايك أن يعلمه كيف يمكنه أن يحصل على المال. بدأ والد مايك الثري بأن جعل روبرت وابنه مايك يعملان في وظيفة مهينة في متجره بأجر زهيد جدا.
إياك وسباق الفئران
بعد قضاء 3 أسابيع في تنظيف الرفوف والمعروضات من التراب مقابل 10 سنت في الأسبوع كله، أعلن روبرت الصغير أنه راغب في الاستقالة من هذه الوظيفة، فلقد تعلم الدرس الأول ألا وهو خطورة قبول العمل في وظيفة يكرهها مقابل أجر زهيد وهو ما عبر عنها بأنها سباق الفئران، حيث كنت تجد الناس يحبسون الفئران في متاهات دائرية ويقامرون على الفأر الذي سيصل لنهاية المتاهة قبل الآخر، والفأر الفائز كان يرجع لبداية المتاهة من أجل سباق جديد. هذا الدرس كان الأساس الذي بنى عليه روبرت طريقه في الحياة.
اغتنم الفرصة حين تراها
تعلم روبرت ألا يعيش حياة الادخار والزهد وخفض النفقات وانتظار الراتب، بل أدرك أن عليه اتخاذ المخاطرة المحسوبة، وأن يجعل ماله يعمل من أجله، لديه، وكيف يجب عليه أن يشتري الأصول التي تعمل لديه هو، لا العكس. هذا الدرس جعله ينتقل للعمل في متجر لبيع القصص الرسومية (كوميكس) وبينما هو يعمل بكل جهده، لاحظ روبرت أن صاحب المتجر يرمي المجلات القديمة غير المباعة في سلال القمامة.
هنا أدرك روبرت كيوساكي الفرصة، وطلب أن يحصل هو على كل المجلات القديمة، وبدأ مع صديقه مايك عملا تجاريا آخر، قائم على استغلال البدروم / الطابق السفلي في منزل مايك لبيع وتأجير هذه القصص لأصدقائهما وزملائهما في الحي والمدرسة، وكانت التجارة رابحة حتى أن روبرت وظف أخت مايك للعمل في مشروعهما مقابل دولار واحد أسبوعيا لتدير هي شؤون هذا النادي خلال غيابهما في فصول الدراسة. هذه التجارة كانت تدر له قرابة 10 دولار أسبوعيا وهو رقم كبير لطفل صغير في هذا الوقت.
تعلم الأرباح والخسائر
يركز روبرت كيوساكي في كتبه على ضرورة أن يتعلم كل شخص بعض المبادئ الأساسية في علم المحاسبة المالية، مثل ما الفرق بين العوائد والأرباح والخسائر والنفقات والمصاريف، والاستثمار والإنفاق، وغيرها من المسميات التي قد تبدو مخيفة لأول وهلة لكنها في غاية الأهمية وليست بالصعوبة التي قد تصورها لنا عقولنا.
درب أبناءك على استعمال الفواتير معك
يرى روبرت كيوساكي أن هذا الأمر شديد الأهمية ولذا يجب علينا تدريب أولادنا الصغار على أن يتعلموا كيف يكتبون فاتورة مقابل كل مال ينفقوه أو أصول يشترونها (مثل كتب أو ملابس أو طعام)، وأن يراجع الآباء معهم كل هذه النفقات ومقارنتها بالدخل الذي حصل عليه كل ابن وابنة، وتعريف الفارق على أنه ربح أو خسارة، وكيف أن تقليل النفقات يزيد من المال المتبقي والذي يمكن استثماره أو إدخاره وهكذا.
غلاف النسخة العربية من كتاب الأب الغني والأب الفقير لمؤلفه روبرت كيوساكي – تصوير معمر عامر
الطريف في القصة أن روبرت كيوساكي طبع كتابه الأول أبي الغني أبي الفقير على نفقته الخاصة وبدأ يبيعه بنفسه. ما أن ينتهي أحدهم من قراءة الكتاب حتى ينصح به من يهتم لأمرهم، وهكذا بدأت المبيعات تزيد، وعندها أخذ روبرت هذه الأرقام إلى دور النشر والتي وافقت على بيع الكتاب.
في نقد روبرت كيوساكي وكتبه
لا تجد محتويات كتاب من تأليف البشر صحيحة بنسبة 100% لسبب بسيط: الدنيا دائمة التغير، وما ينفع اليوم لن يجدي غدا، وصحيح اليوم خطأ الغد وهكذا. ما حدث مع روبرت في حياته من الصعب أن يتكرر مع غيره في مكان آخر بدون تغيير. على الجهة الأخرى، لا وجود لخطأ مطلق في معطيات هذه الدنيا، والتحدي هو أن تقرأ وتفكر وتتعمق في التفكير بحثا عما يفيدك وعما لن يفيدك. من الصعب ألا تجد أي فائدة في كتاب ما، ولو تسلحت بالمرونة الفكرية والقدرة على تعديل الأوضاع وتكييفها فستخرج من أي كتاب بفوائد عديدة.
في النهاية تبقى حقيقة وحيدة، من لا شيء، اليوم تبلغ ثروة روبرت كيوساكي 80 مليون دولار.
إبراء ذمة: كيوساكي لا كايوساكي
حين تحدثت لأول مرة عن روبرت كيوساكي في تدوينات سابقة، كتبت اسمه روبرت كايوساكي وهذا خطأ مني وللأسف أدركته متأخرا ولذا وجب التصحيح والتنبيه.