انَّ إدارة المشاريع الصغيرة تنطوي على العديد من التحديات، سواء كنت بصدد البدء في مشروع من نقطة الصفر أم كنت تُخطّط لشراء مشروع قائم، فمن الواجب عليك أن تكون قادرًا على الاستمرار، إذ يجب على أصحاب المشاريع الصغيرة أن يكونوا مستعدّين لحل المشكلات التي تطرأ والتعامل بسرعة مع تغيُّرات السوق.
إدارة التغيير
التعلم من التجارب وإجراء التغييرات عند الحاجة
إنَّ معظم أصحاب المشاريع الصغيرة يستخدمون -أو على الأقل يعرفون- خدمة البريد الإلكتروني الشهيرة التي تقدِّمها شركة ميل تشينب (MailChimp)، والتي تنمو سنويًا بأكثر من 120 مليون دولار وهي في طريقها إلى تحقيق 525 مليون دولار خلال العام المقبل. لكن مؤسِّس شركة MailChimp ورئيسها التنفيذي «بِن تشيستنت» يذكر أنَّ الشركة استغرقت عدة سنوات إلى أن توصَّلت إلى الأمور التي تُتقنها وإلى اختيار مسارها الأنسب.
عندما فُصل تشيستنت من وظيفته في شركة (Cox Media Group) في مدينة أتلانتا الأمريكية، أسَّس شركة (Rocket Science Group) المتخصِّصة في تصميم مواقع الويب، وشاركه في تأسيسها دان كورزيوس (الذي تعلَّم البرمجة بنفسه). بدأ الاثنان معًا في التركيز على البيع للشركات التكنولوجية، ولكنَّهما حوَّلا مجال تركيزهما إلى البيع لشركات الطيران والسفر عندما انفجرت فقاعة التكنولوجيا، ثمَّ اضطَّرا بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر لتغيير مجال تركيزهما مرة أخرى واتَّجها هذه المرة إلى التركيز على سوق العقارات، لكن أحسَّ كل من تشيستنت وكورزيوس بأنَّهما لا يستمتعان بالعمل في مجال البيع (ولم يكونا يجيدانه)، كما أنَّهما لم يعجبهما روتين العمل مع الشركات الكبيرة، وقد أشارا إلى أنَّ الشركات الوحيدة التي يمكنهما التعامل معها كانت شركات صغيرة، وكانت دائمًا تطلب خدمة التسويق عبر البريد الإلكتروني.
استذكر تشيستنت من خلال المعلومات والطلبات التي كان يتلَّقاها من الزبائن أنَّ شركة (Rocket Science (Group قد طوَّرت في وقتٍ سابق خاصية معينة لمشروع بطاقات تهنئة عبر البريد الإلكتروني، لذلك فحص تشيستنت وكورزيوس برنامج التسويق وشرعا في اختباره وتجربته مع الشركات الصغيرة.
لقد وصف تشيستنت عملهما الصباحي الذي يذهبان خلاله إلى المؤسسات الكبيرة وتقديم العروض لها بالبائس، ولكنَّه أشار إلى أنَّهما كانا يحبَّان عملهما المسائي الذي كانا خلاله يساعدان الشركات الصغيرة على استخدام تطبيق التسويق عبر البريد الإلكتروني الذي طوَّراه. لقد قادهما شغفهما -إلى جانب معرفتهما بحاجات الزبائن وآرائهم- إلى أن يتَّخذا قرارًا بالتركيز كليًّا على تقديم خدمة التسويق عبر البريد الإلكتروني للشركات الصغيرة، ولكنَّ شركة MailChimp لم تصل إلى مرحلة ازدهارها إلَّا منذ عام 2009 تقريبًا. لقد فكَّر مؤسِّسا الشركة في البداية في تقديم أحد منتجاتها (جمع بيانات المشتركين) مجانًا ثمَّ فرض رسوم على منتج آخر (إرسال رسائل البريد الإلكتروني)، ولكن كان من الصعب جدًّا تقسيم المنتج إلى جزأين، ومن هنا جاءت فكرة بيع المنتج بأكمله مجانًا كما قال تشيستنت.
لقد كانت الفكرة أنَّهم لو جعلوا المنتج الذي تقدِّمه شركة MailChimp رخيصًا وسهَّلوا على أصحاب الشركات الصغيرة تجربته، فسوف تنمو أعمال أصحاب تلك الشركات وسيرغبون في الدفع مقابل الحصول على خدمات إضافية من شركة MailChimp. تتيح شركة MailChimp لزبائنها إرسال رسائل بريد إلكتروني إلى 1999 شخصًا دفعة واحدة مجانًا، ولكن تفرض رسوم على رسائل البريد الإلكتروني المرسلة إلى ما يزيد عن 2000 شخص وعلى الميزات الإضافية، كما تفرض رسومًا شهرية تبدأ بقيمة 10 دولارات مقابل إرسال أكثر من 12000 رسالة بريد إلكتروني شهريًا.
سُرعان ما تبيَّن النجاح الكبير لتلك الفكرة، إذ ارتفع عدد مستخدمي المنتج الذي تقدِّمه شركة MailChimp من بضع مئات من الآلاف إلى مليون مستخدم خلال سنة واحدة، وازداد في العام التالي بمقدار مليون مستخدم آخر. لقد تعلَّم مؤسِّسو شركة MailChimp الكثير من الدروس خلال 17 عامًا من العمل، ومن أهم هذه الدروس معرفة الوقت اللازم للتغيير. عندما تلوح أمامك فرصة، فلا تخف من إجراء التعديلات وتغيير المسار، خاصةً إذا كان ذلك يؤدِّي إلى التركيز على السوق الذي يثير شغفك. إنَّ استماع مؤسِّسا شركة MailChimp لآراء الزبائن ومعرفتهم لاحتياجات السوق وسعيهم وراء شغفهم دفع مجلة (Inc) إلى تلقيب شركتهم بأفضل شركة في عام 2017 (2017 Business of the Year).
إنَّ وضع أصحاب المشاريع الصغيرة لخطة عمل سليمة مهم للحفاظ على اتصالهم بكل ما يتعلَّق بمشاريعهم، كما أنَّ حُسن تعيينهم للموظفين وتدريبهم وإدارتهم من المسؤوليات المهمة الأخرى التي تقع على عاتق أصحاب المشاريع، لأنَّ دورهم قد يتغيَّر بمرور الوقت، إذ سيكون هناك العديد من القرارات اليومية التي سيتخذها غيرهم نظرًا لنمو الشركة وتوسُّعها، في حين أنَّهم سيركِّزون على إدارة الموظفين والتخطيط لنجاح الشركة على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على أصحاب المشاريع تقييم أداء شركاتهم وسياساتها باستمرار في ضوء ظروف السوق والاقتصاد المتغيرة ووضع سياسات جديدة عند الحاجة، كما يجب عليهم أيضًا الحرص الدائم على توليد الأفكار المبتكرة من أجل استمرار نمو مشاريعهم. قد يواجه أصحاب المشاريع أيضًا ضرورة تغيير أنواع الموظفين اللازمين أو زيادة عددهم نتيجة نمو شركاتهم، إذ قد تكون هناك حاجة إلى المزيد من الموظفين ذوي المواهب الإدارية والخبرة التقنية على سبيل المثال.
الاستعانة باستشاريين خارجيين
إحدى الطرق التي تُخفِّف من الأعباء المصاحبة لإدارة المشاريع هي توظيف استشاريين خارجيين. على سبيل المثال، تحتاج جميع المشاريع الصغيرة تقريبًا إلى محاسب عام مُعتمد (CPA) يمكنه المساعدة في حفظ السجلات المالية واتخاذ القرارات والتخطيط الضريبي، لذلك يعدُّ وجود محاسب يعمل عن كثب مع صاحب المشروع ضروريًا للمساعدة في نمو المشروع.
إنَّ توظيف محامٍ مُلِّم بقوانين المشاريع الصغيرة مهمٌ أيضًا، وذلك نظرًا لأنَّ المحامي يمكنه مساعدة صاحب المشروع من خلال تقديم المشورة القانونية له وكتابة العقود والوثائق المهمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن توظيف استشاريين ذوي خبرة في العديد من المجالات الأخرى مثل التسويق واستحقاقات الموظفين والتأمين عند الحاجة، كما يمكن لأصحاب الشركات الصغيرة الحصول على المشورة من خلال الاستعانة بالمشرفين أو المرشدين الخارجيين ذوي الخبرة في مجال المشاريع والأعمال التجارية. كلُّ هؤلاء يمكنهم إفساح المجال لأصحاب المشاريع الصغيرة لكي يركِّزوا على التخطيط متوسط المدى وطويل المدى وعلى عمليات التشغيل اليومية.
يمكن الاستعانة بمصادر خارجية أو التعاقد مع متخصصين لتأدية بعض جوانب العمل، ومن بين أكثر مجالات العمل التي تتطلَّب ذلك: تكنولوجيا المعلومات، والتسويق، وخدمة العملاء، وتجهيز وتوصيل الطلبات، وحساب وتوزيع الرواتب، وإدارة الموارد البشرية. يمكن أن يساهم التعاقد مع شركة خارجية -وغالبًا ما تكون شركة صغيرة أخرى- في توفير المال، لأنَّ الشركة التي ترغب في التعاقد تشتري الخدمات التي تحتاجها فقط من الشركة الخارجية بدلًا من إنفاق الأموال على شراء التقنيات باهظة الثمن. ينبغي على الإدارة أن تعيد النظر في المهام التي يؤدِّيها أشخاص خارجيون عندما تنمو الشركة، لأنَّه قد يُصبح وجود الموارد البشرية أو التقنية داخل الشركة أفضل من الاستعانة مصادر خارجية، من ناحية التكلفة في مرحلة معينة.
تعيين الموظفين والاحتفاظ بهم
من المهم تحديد جميع التكاليف المطلوبة لتعيين موظفين جدد للتأكد من قدرة الشركة على تحمُّل تلك التكاليف، وتشمل هذه التكاليف إعلانات التوظيف اللازمة ومساحة العمل والضرائب الإضافية إلى جانب رواتب واستحقاقات الموظفين الجدد. إنَّ توظيف موظفين جدد يضع على عاتق أصحاب المشاريع والشركات المزيد من العمل فيما يخصّ تدريب أولئك الموظفين وإدارتهم. إنَّ هذا الأمر أشبه بمسألة معقَّدة، إذ هناك حاجة إلى تعيين موظفين جدد حتى تنمو الشركة، ولكنَّ عملية تحويل الشركة من شركة مكوَّنة من شخص واحد (وهو صاحب الشركة أو مؤسِّسها) إلى شركة ذات عدد أكبر من الموظفين قد يتطلَّب جهدًا إداريًا كبيرًا.
تواجه الشركات الصغيرة صعوبة أكبر في جذب الموظفين الجيِّدين، وذلك نظرًا لأنَّها قد لا تكون قادرة على توفير الرواتب المرتفعة والمزايا الأفضل وفرص الترقِّي التي تقدِّمها الشركات الكبيرة، وينبغي على الشركات الصغيرة أن تبتكر أساليبًا مناسبة من أجل جذب الموظفين المناسبين وإقناعهم في الانضمام إليها. يجب على أصحاب هذه الشركات أن يضعوا رضا الموظفين الذين ضمَّتهم إليها على رأس قائمة أولوياتهم من أجل الاحتفاظ بالموظفين الجيِّدين، وممَّا يساعد على ذلك وجود ثقافة للشركة تهتمُّ بتوفير بيئة عمل مريحة للموظفين وساعات عمل مرنة وامتيازات وظيفية، بالإضافة إلى إتاحة المجال لهم للمساهمة في اتخاذ القرارات والحصول على نصيب من الأرباح وحقوق الملكية.
استطاع دوين راه (Duane Ruh) تأسيس شركة «Little Log Co» التي وصلت قيمتها إلى 1.2 مليون دولار في بلدةٍ تضمُّ 650 قاطنًا فقط، ويرجع سبب نجاحه في ذلك إلى المعاملة الحسنة التي يقدِّمها للموظفين. توجد هذه الشركة في مدينة سارجينت في ولاية نبراسكا الأمريكية، وهي متخصِّصة في تصنيع بيوت ومآكل للطيور من الخشب، وتتبنَّى السياسات التي تهدف إلى تحقيق رضا الموظفين، والتي نادرًا ما تُطبَّق على أرض الواقع رغم كل الكتابات التي تحثُّ عليها.
يتيح دوين راه لموظفيه أوقات عمل مرنة تترك لهم فسحة كبيرة لممارسة حياتهم الشخصية، كما أنَّه عمد إلى تقليص ساعات العمل بدلًا من فصل عدد من الموظفين من العمل عندما عانت الشركة من فترة ركود خلال الصيف الماضي. ليس هناك الكثير من الوظائف التي يمكن لموظفيه الالتحاق بها في هذه البقعة من نبراسكا، وهذا الأمر قد دفع دوين راه إلى رفض عرض شراء لشركته، لأنَّ موافقته كانت ستؤدِّي إلى إغلاق منشأته على الرغم من أنَّ العرض كان يتضمَّن حصوله على راتب مغرٍ. يشجِّع دوين راه موظفيه أيضًا على العثور على وظائف جانبية أو صيفية إذا احتاجوا إلى كسب أموال إضافية، مؤكِّدًا لهم أنَّ ذلك لن يؤدِّي إلى فقدان وظائفهم في شركته.
التصدير ودخول الأسواق العالمية
هناك تزايد في إدراك الشركات الصغيرة لفوائد البحث عن فرص خارج الأسواق المحلية، إذ تُمثِّل الأسواق العالمية فرصة ممتازة للشركات المحلية، سواء كانت كبيرة أم صغيرة. هناك العديد من العوامل التي تدفع الشركات الصغيرة إلى اتخاذ قرار التصدير للخارج، ومن هذه العوامل الرغبة في زيادة المبيعات والأرباح. على سبيل المثال، تقل تكلفة البضائع الأمريكية بالنسبة للمشترين من الدول الأخرى عندما تنخفض قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات هذه الدول، وذلك يتيح للشركات الأمريكية بيع منتجاتها عالميًا. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الظروف الاقتصادية، مثل حالات الركود المحلي أو المنافسة الأجنبية أو افتتاح أسواق جديدة في الدول الأجنبية قد تشجع أيضًا الشركات المحلية على التصدير للخارج.
إنَّ اتخاذ قرار التصدير -مثله مثل أي قرار ذي صلة بالعمل- يتطلَّب تخطيطًا دقيقًا. قد توظّفُ الشركات الصغيرة استشاريين في مجال التجارة الدولية أو موزعين من أجل البدء في البيع للخارج، إذ يمتلك هؤلاء المتخصِّصون الوقت والمعرفة والموارد اللازمة والتي تفتقر إليها معظم الشركات الصغيرة. يمكن أيضًا الاستعانة بالشركات المتخصِّصة في تقديم خدمات التصدير، مثل: شركات تجارة التصدير (Export trading companies) التي تشتري البضائع بسعر مخفَّض من الشركات الصغيرة وتعيد بيعها للدول الأخرى، وشركات إدارة التصدير (Export management companies) التي تتصرَّف نيابة عن الشركات الصغيرة مقابل رسوم قد تبلغ قيمتها (5 -15)% من إجمالي المبيعات ووفقًا لعقود قد تمتد لعدة سنوات، إذ تتكفَّل بجميع جوانب التصدير التي تشمل: العثور على زبائن، وإصدار الفواتير، وعمليات شحن البضائع، ومساعدة الشركات الصغيرة على الالتزام باللوائح الخاصة بالدول الأخرى.
هناك أيضًا العديد من المصادر المتوفِّرة عبر الإنترنت التي تساعد على تحديد الأسواق المحتملة للسلع والخدمات وتقليل الصعوبات التي تشتمل عليها عملية التحضير لبيع السلع والخدمات للدول الأجنبية، ومن الأمثلة على الجهات التي تساعد الشركات الصغيرة على تصدير وبيع منتجاتها للخارج مركز التصدير التابع لوزارة التجارة الأمريكية، وشركة فُلك المصرية، و«مجموعة اوكي تمام» التركية، شركة «اديو» الموجودة في النمسا، وغيرها.
الآثار الكبيرة للمشاريع الصغيرة
إنَّ الأوضاع الاقتصادية غير المستقرَّة لم تُوقف الناس عن تأسيس شركات جديدة. على سبيل المثال، يشير الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة أنَّ 85% من الأمريكيين يرون بأنَّ للمشاريع الصغيرة تأثيرًا إيجابيًا على الحياة الأمريكية، ولن نستغرب هذا الأمر عندما نتأمَّل في الأسباب العديدة التي تدفع الأفراد إلى تأسيس المشاريع الصغيرة:
- الاستقلالية ونمط حياة أفضل: لم تعد الشركات الكبيرة توفِّر الأمان الوظيفي أو فرص الترقيات السريعة في العمل التي كانت توفِّرها فيما مضى، وقد أصبح الموظفون يتركون عالم الشركات الكبيرة وهم لا يزالون في منتصف حياتهم المهنية إما طوعًا أو نتيجةً لتقليص عدد الموظفين بُغية تقليل النفقاتويبحثون عن فرص جديدة يعملون من خلالها لحسابهم الخاص. إنَّ العديد من خريجي الجامعات وكليات إدارة الأعمال يتجنَّبون خيار العمل في الشركات الكبيرة ويفضِّلون تأسيس شركاتهم الخاصة أو البحث عن فرص عمل في شركات صغيرة.
- الرضا الذاتي المصاحب للعمل الخاص: يُعدُّ هذا السبب أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة إلى البدء في تأسيس شركاتهم؛ فهُم يحبُّون ما يعملون.
- أفضل طريق للنجاح: إنَّ امتلاك مشاريع خاصة يتيح للنساء وللأقليات فرصًا أكبر للتقدُّم (كما سنذكر لاحقًا في هذا مقالاتنا)، ويتيح لأصحاب هذه المشاريع الصغيرة أيضًا إمكانية تحقيق الأرباح.
- التغيُّرات السريعة في مجال التكنولوجيا: يتيح التقدُّم التكنولوجي وانخفاض التكاليف للأفراد والشركات الصغيرة إمكانية المنافسة في مجالات العمل التي لم يكن بإمكانهم ولوجها.
- إعادة هيكلة الشركات الكبيرة وتقليص حجمها: يدفع هذا العديد من الموظفين إلى البحث عن وظائف أخرى، كما قد يتيح هذا أيضًا للأفراد والشركات الصغيرة شراء وحدة أو قسم لم تعُد تريده إحدى الشركات الكبيرة.
- التعهيد (outsourcing): قد تتعاقد الشركات الكبيرة مع شركات خارجية للحصول على الخدمات التي كانت متوفِّرة بداخلها قبل تقليص حجمها. هذه العملية تُدعى بالتعهيد أو الاستعانة بمصادر خارجية، وهي تتيح للشركات الصغيرة فرصة لتقديم السلع والخدمات المطلوبة لمن يحتاجها.
- مرونة المشاريع الصغيرة: تستطيع المشاريع الصغيرة عادةً الاستجابة بسرعة للظروف الاقتصادية المتغيِّرة من خلال تغيير محور تركيزها أو إجراء تعديلات على عملياتها التشغيلية.
هناك العديد من المناطق التي توفِّر بيئة أفضل لتأسيس الشركات ولدعم روَّاد الأعمال، ولكن هناك تزايد ملحوظ في الاهتمام بمجال ريادة الأعمال في العديد من الدول عمومًا.
مزايا التقيد بالمشاريع الصغيرة
يدرك أصحاب المشاريع الصغيرة أنَّ هناك العديد من المزايا للشركات ذات الحجم الصغير، ومن هذه المزايا المرونة الكبيرة وعدم تعقُّد الهيكل التنظيمي، ممَّا يتيح للشركات الصغيرة الاستجابة السريعة لمتغيِّرات السوق (مثل التغيُّر في الأسعار وحجم الطلب على المنتجات)، كما يمكن توليد أفكار لمنتجات مبتكرة والتسويق لها بسرعة أكبر وباستخدام مقدار أقل من الموارد المالية والبشرية مقارنةً بالشركات الكبيرة.
إنَّ قدرة الشركات الصغيرة على تنفيذ العمليات التشغيلية بكفاءة أكبر يعمل على تقليل التكاليف أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات الصغيرة أن تقدِّم خدماتها لأسواق متخصِّصة، وهذا الأمر قد لا يكون فعَّالًا من الناحية الاقتصادية بالنسبة للشركات الكبيرة. من المزايا الأخرى التي تتمتَّع بها الشركات الصغيرة هي إمكانية تقديم خدمات ذات مستوى أعلى للأفراد، إذ إنَّ هذا الاهتمام الذي يحظى به زبائن هذه الشركات -مثل المطاعم، والنوادي والمنتجعات الصحية، ومحلات الأزياء، ووكالات السفر- يساعد على الحفاظ على ولاء العديد من هؤلاء الزبائن لها.
كان ستيف نيووليس يلعب في إحدى الدوريات الصغيرة للبيسبول قبل تعرُّضه لإصابة في الكتف قطعت مسيرته المهنية، ولكن حبه للبيسبول دفعه -بعد ذلك- إلى التوصُّل إلى فكرة ذكية أوصلته إلى البطولات الكبرى، وقد استلهم فكرته الرائعة من إدراكه للمشكلة التي تواجه اللاعبين، ألا وهي تعرُّق أيديهم أثناء ضربهم للكرة. تتمثَّل هذه الفكرة في إنتاج أكياس لامتصاص العرق مربوطة في أساور المعصم حتى يتمكَّن اللاعبون من تجفيف مقابض مضارب البيسبول بين الرميات. لقد استطاعت شركة «Tap It!» التي أسَّسها نيووليس في ولاية فلوريدا الأمريكية بيع آلاف القطع من منتجها خلال أقل من عامين، إذ إنَّ هذا المنتج -الذي يُباع مقابل 12.95 دولارًا- يستخدمه لاعبو البيسبول ولاعبو كرة السلة ولاعبو التنس ولاعبو الجولف وحتى متسلِّقو الصخور. يكمن سِرُّ النجاح الذي حقَّقه نيووليس في عثوره على شبكة توزيع صغيرة تتولَّى مساعدة الشركات الصغيرة التي لديها خط إنتاج واحد فقط.
في المقابل، فإنَّ إبقاء حجم الشركة صغيرًا ليس فكرة جيِّدة في جميع الحالات، ومن العيوب المصاحبة لذلك هو أنَّ مؤسِّسي الشركات الصغيرة قد تكون مهاراتهم الإدارية محدودة أو قد يعانون من صعوبات للحصول على تمويل كافٍ أو قد يواجهون مجموعة من العوائق التي تحول دون نمو الشركة. إحدى السلبيات الأخرى التي تواجه الشركات الصغيرة الأمريكية هي التكلفة العالية الناتجة عن الامتثال للأنظمة الحكومية، إذ تنفق الشركات التي يقل عدد موظفيها عن 20 موظفًا حوالي ضعف ما تنفقه الشركات الكبيرة على الامتثال لهذه الأنظمة.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلَّب عملية تأسيس شركة صغيرة وإدارتها التزامًا كبيرًا من قبل المالك، كما أنَّ هناك آثارًا سلبية قد تنجم عن ممارسة أصحاب الشركات الصغيرة أعمالهم لساعات طويلة واضطرارهم لتنفيذ الكثير من الأعمال بأنفسهم، إلى جانب الضغوط المصاحبة لتحمّلهم مسؤولية نجاح هذه الشركات.
إنَّ التعامل مع الصعوبات المتزايدة التي تواجه الشركة لا ينبغي أن يقع على عاتق شخص واحد فقط، ومن الأمثلة التي توضِّح هذا الأمر قصة ريتشارد همفري مؤسِّس شركة DrinkWorks التي تصنع أكواب الشراب المخصَّصة. كان همفري -بعد أربع سنوات من تأسيس الشركة- يعمل لمدة مائة ساعة في الأسبوع، ويصف السبب الذي كان يدفعه إلى القيام بذلك بقوله: «كنت أخشى من انهيار الشركة إذا لم أتابع مجريات العمل لحظةً بلحظة».
وقد نتج عن ذلك تعرُّضه للمرض وفقدانه للوزن وفسخ خطوبته. اضطر همفري في أحد الأيام إلى أن يترك الشركة في أيدي موظفيه الخمسة بسبب حالة عائلية طارئة، واندهش من براعتهم في إدارة الشركة أثناء غيابه، وقد عبَّر عن ذلك بقوله: «لقد تولّوا زمام الشركة وسارت الأمور على ما يُرام، وبعد ذلك الحين انتظم حال الشركة بأكملها».
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Managing a Small Business و The Large Impact of Small Business من كتاب Principles of Management
اكادمية حسوب – ترجمة هيفاء علي